فصل: مسألة يوكل وكيلا على تقاضي ديونه ويفوض إليه النظر فيها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أبضع معه ببضاعة مائة دينار في سلعة فاشتراها ثم باعها بعشرين ومائة:

وقال في رجل أبضع معه ببضاعة مائة دينار في سلعة فاشتراها ثم باعها بعشرين ومائة ثم اشترى بالعشرين ومائة سلعة فباعها فنقص. قال: هو ضامن للعشرين ومائة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العشرين ومائة ثمن سلعة صاحب البضاعة فله أن يأخذها، والمبضع معه متعد في اشتراء السلعة الأخرى بالعشرين ومائة، فوجب أن يكون ضامنا لما نقص فيها، وبالله التوفيق.

.مسألة يوكل وكيلا على تقاضي ديونه ويفوض إليه النظر فيها:

من نوازل سئل عنها عيسى بن دينار وسئل عيسى عن الرجل يوكل وكيلا على تقاضي ديونه ويفوض إليه النظر فيها، هل يجوز للوكيل أن يصالح فيها عنه إن كان الصلح من النظر له؟ فقال: لا، حتى يفوض إليه المصالحة، فعند ذلك تجوز مصالحته ووضيعته عن الغرماء إذا كان ذلك من النظر. قيل: فإن لم يفوض المصالحة فوجد الوكيل غريما من غرماء الموكل عديما فيدعوه إلى المصالحة ببعض ما عليه ويضع عنه ما بقي. فيفعل ذلك الوكيل، أو يصالح عن الغريم بعد موته ببعض ما كان عليه ويضع عنه سائر ذلك. قال: كل ذلك لا يلزم الموكل إلا إن شاء، فإن أبى جاز له ما أخذ واتبع ذمة الغريم فيما بقي.
قيل له: فلو كان الذين صالحوا الوكيل عن الغريم إنما صالحوه بأموالهم على أن يبرأ الغريم مما عليه، فلما أبى ذلك الموكل ولم يجزه أرادوا أن يرجعوا بما أعطوه من أموالهم في الصلح؟ قال: ذلك لهم إلا أن يشاء الموكل أن يمضي ذلك الصلح، فإن أبى رد إليهم ما أعطوا واتبع ذمة غريمه بجميع حقه.
قيل: فلو كانوا حين صالحوا الوكيل بأموالهم شرطوا عليه أنه إن لم يمض ذلك الذي وكله فنحن راجعون في أموالنا؟ قال؛ هذا لا يجوز؛ لأنه يعد سلفا يجر منفعة إذا عجلوا للوكيل ما صالحوه به من أموالهم ونقدوه إياه؛ لأنهم كأنهم قالوا له: خذ من أموالنا سلفا تنتفع به وأخر صاحبنا بما عليه إن كان حيا واترك كشف ورثته عما ورثوا عنه إن كان ميتا حتى يقدم صاحبك، فإن جوز الصلح مضى ذلك لنا، وإن لم يجوزه رددت إلينا أموالنا، فذلك لا يجوز؛ لأنه سلف جر منفعة. وهذا الصلح يفسخ على كل حال ويرد إلى القوم ما لهم يبتدئون الصلح صحيحا إن شاءوا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الوكيل على اقتضاء الدين وإن فوض إليه النظر في ذلك لا يجوز له مصالحة غريم من الغرماء وإن كان ذلك من النظر للموكل حتى يفوض إليه المصالحة صحيح؛ إذ لا يقتضي تفويض النظر إليه فيما وكل عليه من اقتضاء الديون المصالحة فيها وإن كان ذلك من النظر له؛ إذ ليس للوكيل أن يتعدى في وكالته ما سمي له ويتجاوز ذلك إلى ما لم يسم له. وقد مضى بيان هذا في رسم أسلم من سماع عيسى، وأن هذا ليس بخلاف له كما زعم بعض الناس بما لا مزيد عليه.
وفي قوله: قيل: فإذا لم يفوض إليه المصالحة فوجد الوكيل غريما من غرماء الموكل عديما فيدعوه إلى المصالحة ببعض ما عليه ويضع عنه ما بقي فيفعل ذلك الوكيل أو يصالح عن الغريم بعد موته ببعض ما كان عليه ويضع عنه سائر ذلك، قال: ذلك لا يلزم الموكل إلا إن شاء نظر؛ لأن هذا لا ينبغي أن يلزم الموكل وإن فوض إليه المصالحة؛ لأن المصالحة لا تجوز عليه وإن فوض أمرها إليه إلا على وجه النظر، ولا نظر في ذلك للموكل، إذ لا حاجة له إذا وجده عديما إلى أن يقتضي منه بعض ما عليه ويضع عنه بقيته؛ لأنه قادر على أن يقتضي منه ما وجد عنده ويؤخر ببقيته، اللهم إلا أن يخفي ما له أو يدعي العدم فيكون لمصالحته وجه من النظر. وقد يكون له أمهات أولاد ومدبرون لهم أموال وهو غريم فيصالحه على أن ينتزع من أموالهم ما يصالح به عن نفسه على حط بعض دينه فيكون لذلك أيضا وجه من النظر. فإن صالحه الوكيل على وجه من هذه الوجوه ولم يجعل إليه الصلح لم يلزم الموكل ذلك إلا إن شاء، فإن أبى جاز له ما أخذ واتبع ذمة الغريم بما بقي له من حقه عليه كما قال. وأما إذا صالح الوكيل أحد عن الغريم من ماله فلم يجز الموكل الصلح فله أن يرجع بما دفع من ماله؛ لأنه إنما رضي بدفعه على أن يحط عن الغريم ما وقع الصلح على حطه، فإذا لم يحط عنه كان له الرجوع فيما صالح به من ماله. ولهذا نظائر كثيرة، منها مسألة كتاب المكاتب من المدونة في القوم يعينون المكاتب في كتابته ليفكوا جميعه من الرق فلا يكون فيما أعانوه به وفاء لكتابته أن لهم أن يرجعوا فيما أعانوه به، إلا أن يجعلوا المكاتب من ذلك في حل؛ ومن ذلك مسألة الرجل يقتل الرجلين عمدا فيصالح أولياء أحد القتيلين ويعفو عن دمه ويأبى أولياء القتيل الآخر إلا الاستقادة منه أن له أن يرجع فيما صالح به؛ لأنه إنما صالحهم للنجاة من القتل، فإذا لم يتم له ما بذل عليه ماله كان له الرجوع فيه. روى ذلك يحيى عن ابن القاسم في كتاب الدعوى والصلح وكتاب الديات. وأما إن شرط الذين صالحوا الوكيل عن الغريم من أموالهم أن يرجعوا بما صالحوا به إن لم يجز ذلك الموكل فهو صلح فاسد كما قال؛ لأنه سلف يجر منفعة، فلا يجوز باتفاق، ويفسخ وإن جاء الموكل فأمضاه؛ لأنه انعقد على فساد. وأما إن صالحوا الوكيل وهم يظنون أنه قد فوض إليه الصلح فالصلح جائز باتفاق، فإن جاء الموكل فأنكر أن يكون فوض إليه الصلح فرده ولم يجزه رجعوا في أموالهم. وأما إن صالحوه ولم يشترطوا شيئا وقد علموا أنه لم يفوض إليه أمر الصلح، فظاهر الرواية أن الصلح جائز إلا أن يرده الموكل فيرجعوا بما صالحوا به من أموالهم، وفي جوازه اختلاف لأنه صلح انعقد وللوكيل الخيار في إبطاله، إلا أنه خيار يوجبه الحكم لم ينعقد عليه الصلح، فيجوز ذلك على الاختلاف في فساد الصرف بالخيار الذي يوجبه الحكم دون أن ينعقد عليه. وقد مضى ذلك في أول رسم من سماع أشهب وغيره وبالله التوفيق.

.مسألة يوكل وكيلا على طلب عبد له أبق أو مستألف له فأدركه في يد مشتري:

وسئل عن رجل يوكل وكيلا على طلب عبد له أبق أو مستألف له فأدركه في يد مشتري، فأراد أن يقيم البينة أنه للذي وكله، أيمكن من ذلك ويقضى له؟ قال: لا يمكن من ذلك حتى يشهد الذين شهدوا له بالوكالة بطلبه أو غيرهم أنه وكل على الخصومة فيه أيضا؛ لأن الرجل قد يوكل على طلب العبد الآبق ولا يوكل على الخصومة فيه.
قيل: فإن أقام البينة على أنه موكل على الخصومة فيه، أيمكن من إيقاع البينة على أنه للذي وكله لا يعلمونه باع ولا وهب؟ قال: لا يمكن من ذلك حتى تشهد البينة أنه وكله على طلب هذا العبد والخصومة فيه وأنه هو العبد بعينه، فحينئذ ينتفع بمن شهد له على أن العبد للذي وكله وأنهم لا يعلمونه باع ولا وهب ولا خرج من يده بما تخرج به الأشياء من أيدي أهلها؛ لأنه قد يكون للرجل العبد فيبيعه ثم يكون له الآخر فيأبق، فلعل هذا العبد قد باعه سيده وليس هذا الذي أبق منه.
قيل: فإذا شهدوا على الذي ذكرت، أيحلف الوكيل كما يحلف السيد أنه ما باع ولا وهب؟ قال: لا يحلف الوكيل ولكن ينظر السلطان في غيبة الموكل، فإن كانت غيبته قريبة أمر أن يؤتى به حتى يحلف، وإن كانت غيبته بعيدة كتب إلى إمام بلده بالذي عنده لصاحب العبد، وأمره في كتابه أن يحلفه عنده أنه ما باع ولا وهب. فإذا أتاه جواب كتابه قضى به للوكيل.
قيل له: فإن كان الموكل قد مات؟ قال: قد انفسخت وكالة الوكيل. قيل له: فإن كان وكله الورثة أيضا؟ قال: فعليهم أن يحلفوا بالله أنهم لا يعلمون صاحبهم باع ولا وهب إن كانوا قد بلغوا الحلم أو من بلغه منهم.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا وكل الوكيل على طلب عبد له أبق فأدركه في يد مشتري إنه لا يمكن من إيقاع البينة على أنه للذي وكله حتى يقيم البينة أنه وكل على الخصومة فيه صحيح على ما تقدم في المسألة قبلها من أنه ليس للموكل أن يتعدى ما وكل عليه ويتجاوزه إلى غيره. وأما قوله: إنه لا يمكن من ذلك حتى يقيم البينة على أنه وكل على طلب هذا العبد بعينه والخصومة فيه، فإن هذا قد يتعذر، إذ لا يمكن أن يمشي لطلب العبد بالشهود الذين يعرفون العبد بعينه وأشهدهم السيد على أنه وكله على طلبه والخصومة فيه ليشهدوا له على عينه حيثما وجده. وإن اتفق أن يجدهم حيث وجد العبد فنادر لا يبنى عليه. فوجه العمل في ذلك أن يكتفى فيه بالصفة. وسيأتي بيان هذا في آخر سماع سحنون بعد هذا. فإذا أشهد له أنه قد وكله على طلب العبد الذي من صفته كذا وكذا والخصومة فيه أثبت ذلك عند قاضي بلده وخاطب له بذلك إلى حيث يرجو وجود العبد فيه من البلاد، فإذا ألفى العبد على الصفة الموصوفة يمكن من إيقاع البينة عليه أنه للذي وكله ولا يعلمونه باع ولا وهب. فإذا أثبت ذلك قضي له به بعد يمين سيده الموكل له على ما ذكر. وقال عيسى في هذه الرواية: إنه لا يقضى له به حتى يحلف وإن كان بعيد الغيبة، خلاف قوله في رسم حمل صبيا من سماع عيسى في الوكيل على قبض الدين يدعي الذي عليه الدين أنه قد قضى صاحب الحق بعض الدين إنه يقضى له بجميع الدين عليه إلا أن تكون له بينة على ما ادعى من القضاء ولم يؤخر إلى لقي صاحبه. ففرق بعض الناس بين المسألتين، وهو الأظهر الذي يعزى إلى ابن القاسم؛ لأن اليمين في الاستحقاق من تمام الشهادة لا يتم الحكم إلا بها. ويمين صاحب الدين ما اقتضى من ديونه شيئا لا يجب إلا بدعوى الغريم أنه قد قضى. وذهب ابن أبي زيد إلى أنه يقضى في استحقاق الحيوان لوكيل الغائب إذا بعدت غيبته وترجا يمينه إلى أن يقدم أو يكتب القاضي إلى قاضي موضعه فيحلفه، وهو قول أصبغ في الواضحة، وإليه ذهب ابن كنانة.
فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها، أنه لا يقضى له في المسألتين جميعا حتى يحلف، والثاني، أنه يقضى له فيهما جميعا ويؤخر يمينه حتى يكتب إلى قاضي موضعه يحلفه، والثالث، الفرق بين المسألتين. وفي المسألة قول رابع أن الوكيل يحلف في المسألتين ما علمه باع ولا وهب ولا اقتضى من حقه شيئا ويقضى له. وقد مضى هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من هذا الكتاب وفي رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية، وبالله التوفيق.

.مسألة يوكل وكيلا على خصومة أو قيام بضيعة أو تقاضي دين:

وسئل عيسى عن رجل يوكل وكيلا على خصومة أو قيام بضيعة أو تقاضي دين أو على وجه من الوجوه كلها، فيريد الوكيل أن يوكل غيره على ما وكل عليه هو من ذلك في حياة الوكيل أو عند موته، أيجوز هذا؟ قال: لا يوكل وكيل الأحياء على مثل ما وكل عليه أحدا غيره، وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته وعند موته.
قال محمد بن رشد: قوله: إن من وكل على خصومة أو قيام بضيعة أو تقاضي دين أو وجه من الوجوه كلها فليس له أن يوكل على ذلك أحدا في حياته ولا عند وفاته صحيح، لا اختلاف فيه أحفظه في أن الوكيل على شيء مخصوص لا يجوز له أن يوكل، وهو قوله في السلم الثاني من المدونة وفي رسم الأقضية من سماع يحيى بعد هذا وفي غير ما موضع. واختلف إن فعل هل يضمن أم لا؟ فقال في رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا إنه ضامن إن خرج المال من يده إلى من وكله إلا أن يكون ممن لا يلي مثل ذلك بنفسه وقد عرف بذلك الذي وكله فلا ضمان عليه. وأما إن لم يعرف بذلك الذي وكله فهو ضامن وإن كان ممن لا يلي ذلك بنفسه. وهذا في غير المشهور أنه ممن لا يلي مثل ذلك بنفسه؛ لأن رضاه بالوكالة يدل على أنه المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى. وهو في غير المشهور محمول على أنه لم يعلم حتى يعلم أنه قد علم. وأما المشهور بأنه لا يتولى ذلك بنفسه فلا ينبغي أن يضمن؛ لأن الموكل يحمل على أنه قد علم ولا يصدق أنه لم يعلم. وقد قال بعض العلماء: إن وكيل الوكيل إذا صنع ما يصنع الوكيل ولم يتعد في شيء إن ذلك جائز، يريد ولا يضمن الذي وكله. وقال أشهب: إذا كان مثله في الكفاية فلا ضمان عليه. وأما الوكيل المفوض إليه في جميع الأشياء فلا أحفظ في هل له أن يوكل أم لا قولا منصوصا عند العلماء المتقدمين، وقد كان الشيوخ المتأخرون يختلفون في ذلك، والأظهر أن له أن يوكل؛ لأن الموكل قد أنزله منزلته وجعله بمثابته.
وقوله: وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته وعند موته هو نص قول مالك وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم فيه. وإنما اختلفوا في الوصيين أو الأوصياء المشترك بينهم في الإيصاء، هل لأحدهم أن يوصي بما إليه من الوصية أم لا على ثلاثة أقوال، أحدها، أن له أن يوصي إلى من معه في الوصية وإلى من ليس معه في الوصية. وقد أتت بذلك الرواية عن مالك، وهو ظاهر قوله في المدونة لأنه أطلق القول بأن له أن يوصي ولم يخص موضعا من موضع ولا حالا من حال، وهو ظاهر قول عيسى هذا وقول يحيى بن سعيد في الوصايا الأول من المدونة، والثاني، أنه ليس له أن يوصي إلى من معه في الوصية ولا إلى من ليس معه في الوصية، وهو ظاهر قول سحنون في رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا. ووجه القول أن الوصيين لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بفعل شيء من الأشياء دون صاحبه؛ والقول الثالث، أنه ليس له أن يوصي إلا إلى شريكه في الإيصاء، وهو الذي كان الشيوخ يتأولونه على سحنون في قوله في المدونة. ووجه ذلك أنه إذا أوصى لشريكه في النظر فقد شاركه في فعله، وهذا أضعف الأقوال. وأصحها وأولاها بالصواب قول مالك وقول يحيى بن سعيد في إجازة ذلك إجازة مطلقة، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة وكل على اشتراء سلعة فاشتراها فقال الموكل اشتريتها بشرط كذا وكذا وهو مما يفسخ البيع:

قيل لعيسى: أرأيت من وكل على اشتراء سلعة فاشتراها، فقال الموكل: اشتريتها بشرط كذا وكذا، وهو مما يفسخ البيع، فيقول الموكل: ما أمرتك بذلك وأنت كاذب فيما تقول، وإنما تريد فسخ ما ثبت لي شراؤه، ويدعي ذلك البائع مع الوكيل وليس على الشرط بينة. قال: أرى على الوكيل اليمين بالله أنه على ذلك اشتراها ويكون القول قوله ثم يفسخ البيع بينهما إن كان حراما، وإن كان مكروها قيل للبائع: إن شئت فافسخ الشرط وأجز البيع، وإن شئت فارتجع سلعتك، وذلك ما لم تفت، فإن فاتت كان العمل فيها كما وصفت.
قيل: أرأيت لو كان هذا الوكيل ادعى اشتراء هذه السلعة لنفسه وأنه قد كان فسخ وكالة الموكل عن نفسه وأقر بهذا الشرط. قال: سبيلها سبيل الأول إذا أقر بهذا الشرط عند ادعائه اشتراءها لنفسه. فأما لو ادعى اشتراءها لنفسه ولم يذكر الشرط فلما لم يجز اشتراؤها لنفسه وصارت للذي وكله زعم أنه اشتراها بشرط يفسخ البيع فقوله باطل والسلعة للموكل بلا شرط، ولا يحلف الوكيل ويكون القول قوله في الشرط كما حلف في التي فوق هذا؛ لأنه هاهنا قد أراب واتهم على الكذب حين ادعاها لنفسه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الوكيل أقر للبائع بما ادعاه من فساد البيع عند دفع السلعة إلى الموكل أو بعد دفعها إليه، أو ذكر ذلك حينئذ وصدقه البائع. وأما لو أنكر ذلك البائع وادعى صحة البيع لوجب أن يكون القول قوله، وذلك بين في الرواية من قوله ويدعي ذلك البائع. فإذا أقر الوكيل بفساد البيع للبائع عند دفع السلعة إلى الآمر أو بعد دفعها إليه على ما ذكرناه لم أر أن يفسخ البيع إلا بعد يمين الوكيل أنه اشتراها شراء فاسدا؛ لأنه يتهم على إبطال البيع لما تعلق بذلك من حق الآمر، فإن نكل عن اليمين لم يكن للبائع سبيل إلى نقض البيع بما ادعاه من فساده إلا أن يقيم البينة على ذلك، وينظر إلى قيمة السلعة، فإن كانت أكثر من الثمن غرم ذلك الوكيل للبائع؛ لأنه أتلف عليه السلعة بنكوله عن اليمين. ورأيت لبعض أهل النظر أنه قال: يمين الوكيل هاهنا ضعيفة، واليمين على البائع أقوى أنه باع بيعا فاسدا. ولعمري إن لقوله وجها من النظر؛ لأنهما قد تقارا جميعا على فساد البيع فوجب نقضه بعد أن يستظهر على البائع باليمين من أجل اتهام الوكيل في تصديقه لما تعلق بذلك من حق الآمر، فإذا حلف البائع على هذا وفسخ البيع كان للآمر أن يحلف الوكيل على إقراره للبائع بفساد البيع؛ لأنه يقول له: أتلفت علي السلعة بذلك. فإن حلف برئ، وإن نكل عن اليمين غرم له ما زادت قيمة السلعة على الثمن، فإن لم يكن في ذلك فضل لم يجب له عليه يمين.
ولو قال قائل: إن البيع يفسخ دون أن يحلف واحد منهما لتقاررهما على فساده، ثم يحلف الوكيل للآمر إن كان في قيمة السلعة فضل عن الثمن لكان وجه القياس والنظر. وقال مطرف وابن الماجشون في الواضحة مثل قول عيسى بن دينار إذا ادعى الوكيل ذلك عند دفع السلعة، وأما إذا ادعاه بعد دفع السلعة فلا يقبل قوله في نقض البيع ويغرم تمام القيمة للبائع.
وقوله: وإن كان مكروها قيل للبائع: إن شئت فافسخ الشرط وأجز البيع، وإن شئت فارتجع سلعتك وذلك ما لم تفت، يريد بالمكروه مثل أن يبيع على أن تتخذ أم ولد أو على ألا يخرج بها من البلد، أو على ألا يبيع ولا يهب وما أشبه ذلك من الشروط التي تقضي التحجير على المشتري فيما اشترى، وهي البيوع التي يسمونها بيوع الثنيا، فهذه البيوع هي التي يكون الحكم فيها على ما ذكره في المشهور في المذهب من أن البيع يفسخ إلا أن يرضى البائع بترك الشرط وتسليم البيع للمبتاع بغير شرط، فإذا أبى البائع إلا ارتجاع سلعته حلف الوكيل أنه اشتراها على هذا الشرط، فإن حلف أخذ البائع سلعته، وإن نكل عن اليمين لم يكن للبائع إلى أخذ السلعة سبيل إلا أن يقيم البينة على ما ذكره من الشرط، وغرم له الوكيل ما زادت القيمة على الثمن، وذلك بين على ما قاله في البيع الحرام. وقوله: فإذا فاتت كان العمل فيها كما وصفت، يريد كان العمل فيها على قياس ما وصفت. والذي يوجبه الحكم فيها على قياس ما وصف أن ينظر، فإن كانت قيمتهما أكثر من الثمن حلف الوكيل وكان على الموكل تمام القيمة، وإن نكل عن اليمين غرم هو للوكيل تمام القيمة للبائع. واختلف بما تفوت هذه البيوع، فقيل: إنها تفوت بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة الأسواق فما فوق ذلك، وقيل بالنماء والنقصان. وقد قيل في البيع على شيء من هذه الشروط إنه بيع فاسد يفسخ على كل حال في القيام، وتكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ وقيل: إن البيع لا يفسخ إلا أن يأبى البائع ترك الشرط، فإن فاتت رجع البائع على المبتاع بقدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط.
وقوله: قيل: أرأيت لو كان هذا الوكيل ادعى اشتراء هذه السلعة لنفسه إلى آخر قوله بين لا إشكال فيه. وفي قوله فيه: فلما لم يجز له اشتراؤها لنفسه دليل على أنه ليس له أن يفسخ الوكالة عن نفسه، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في الثمانية إنه من وكل على شراء سلعة فاشتراها وقال: إنما اشتريتها لنفسي بعد أن فسخت الوكالة عني لم يكن ذلك له وكانت السلعة للآمر إلا أن يعلمه قبل أن يشتريها أنه لا يشتريها له وإنما يشتريها لنفسه. وقد قيل: إن السلعة تكون له وإن لم يتبرأ إليه من وكالته إياه إذا أشهد قبل شرائها أنه يشتريها لنفسه. وقع هذا القول في الثمانية. وروى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أن السلعة تكون له إذا زعم أنه اشتراها لنفسه وإن لم يشهد على ذلك قبل الشراء، ويحلف على ذلك إذا اتهم. وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع لامرأته متاعا بإذنها ووكالتها ثم يموت فتدعي عدم قبض الثمن:

وقال في رجل يبيع لامرأته متاعا بإذنها ووكالتها يعرف ذلك ثم يموت فتدعي بعد موته أنها لم تقبض منه ثمن ما باع، فقال: لا أرى لها شيئا إلا أن يكون في ورثته من قد بلغ فيحلف أنها ليست باقية.
قال محمد بن رشد: قوله لا أرى لها شيئا هو على القول بأن القول قوله مع يمينه لقد دفع إليها إذا ادعت أنه لم يدفع إليها؛ لأن اليمين اللازمة له تسقط بموته. ومعناه عندي إذا لم يكن ذلك بحدثان ما قبض إذ لم يعلم دعواه الدفع فيسقط اليمين بموته. وقوله إلا أن يكون في ورثته من قد بلغ فيحلف أنها ليست باقية، يريد في علمهم، إذ ليس تلزمهم اليمين في ذلك إلا على العلم. وقد مضى تفصيل الخلاف في هذه المسألة في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة بكر وكلت رجلا على خصومة حتى قضي له فتصدقت عليه أترجع في صدقتها:

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة بكر وكلت رجلا على الخصومة لها في منزل لها ولأشراك لها، فخاصم حتى قضي له، فتصدقت البكر عليه بناحية من حظها من المنزل ثم بدا لها في الصدقة وقالت صنعت ما لا يجوز لي وما عرفت الذي تصدقت به، أيجوز لها الرجوع في الصدقة؟ قال نعم، أرى أن صدقتها غير جائزة، وتوكيلها إياه كان غير جائز؛ لأن البكر لا تلي مثل هذا من أمرها، إنما يليه عليها وصي أو من يوكله السلطان بالنظر لها. قلت: أرأيت إذا فسخت صدقاتها إن أراد الوكيل أن يأخذها بأجرته فيما قام لها به وسعى لها من الخصومة عنها، أيكون له أجرة مثله عليها في جميع شخوصه؟ وذلك أنه يقول لم أقدر على الخصومة لك دون أشراكك، وإنما خاصمت بأمرك ولما رجوت من فضلك فلا آخذ لجميع أجرتي غيرك إذا رجعت في صدقاتك. قال: لا أجرة له عليها فيما استخرج من غير حقها، وإنما يقضى له عليها بقدر ما يصير على حظها من أجرته إذا قسم ذلك على جميع الورثة بقدر ما لكل وارث من الميراث، فيعطيه من أجرته على الخصومة عنهم أجمعين بقدر ما أدخل عليها من الرفق دونهم، ولا شيء عليها فيما كان ينوبهم من الأجرة، مثل ما لو كانوا آجروه معها، ولا شيء له عليهم أيضا لأنهم لم يستأجروه. فإن كانوا وكلوه معها فكان قيامه لها ولهم بأمرهم أجمعين فالأجرة له عليها وعليهم تقسم عليهم على قدر مواريثهم من القرية التي استحق لهم.
قلت: ولم ألزمتها غرم الأجرة على قدر حظها وأنت لا ترى توكيلها إياه جائزا؟ قال: على وجه الاستحسان لذلك لما أدخل عليها من المرفق، ولو لم يقض له بشيء ما رأيت له عليها شيئا ولا يطلب عناه لأن مثلها لا يجوز توكيلها.
قلت: فلم لا يلزمها أجرته فيما استخرج من حظوظ اشراكها وقد أدخل عليهم من المرفق مثل الذي أدخل عليها؟ قال: لأن توكيلها لا يجوز عليهم، وهم لم يوكلوها فيلزم ذلك في أموالهم، فلا أرى أن يلزمها من الأجرة إلا قدر ما أدخل عليها من المرفق.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها وكلته على أن يخاصم عنها وعن أشراكها في المنزل الذي بينهم ولم يواجبها في ذلك على جعل معلوم ولا على أجرة، فخاصم بوكالتها إياه على ذلك رجاء ثوابها عليه. فلما خاصم إلى أن قضي له بالمنزل تصدقت عليه بناحية من حظها ثوابا له على خصامه عنها، ثم قامت وأرادت الرجوع في ذلك، فرأى لها الرجوع في الصدقة من أجل أنها مولى عليها، وأوجب له عليها مقدار حظها من أجرة مثله على قدر عنائه وشخوصه استحسانا، إذ كان القياس أن لا يكون له عليها شيء من أجل أنها لا تلي مثل هذا من أمورها، وأن ما ولته من ذلك موقوف على نظر وليها إن كان لها ولي أو نظر السلطان إن لم يكن لها ولي، فإن وأي في ذلك وجه نظر لها أجازه، وإن لم ير لها في ذلك وجه نظر رده. وهذا في العقد الجائز. وأما في هذه المسألة فليس فيها إلا الرد؛ لأنه عقد فاسد. وإذا بطل الجعل عنها وكان له الحظ إذ قد وجب لها. ووجه الاستحسان في ذلك أنها لما خاصم عنها رجاء ثوابها بعد أن وكلته على ذلك أشبه الجعل الصحيح أو الإجارة الصحيحة؛ لأن المنحة على الثواب بيع من البيوع، فوجب أن يكون له ثواب عمله وهو قيمته. ولو جاعلته على استخراج حظها بجعل معلوم على مذهب من يجيز الجعل في الخصام على أنه إن أفلح استحق جعله وإن لم يفلح لم يكن له شيء، فخاصم حتى قضي له فأراد وليها رد ذلك من فعلها لتخرج ذلك على قولين: أحدهما أنه ليس له أن يرده بعد أن قضي له، كما ليس له أن يرده قبل أن يقضى له؛ لأنها فعلت من ذلك ما هو وجه نظر وما لو لم تفعله لفعله الولي. والثاني أن له أن يرده بعد أن قضي له وإن كان له أن يرده قبل أن يقضى له؛ لأن حظها من المنزل قد استوجبته بالقضاء رد الولي ذلك من فعله أو أمضاه. فإسقاط الجعل عنها بالرد خير لها من إمضائه عليها بالإجارة. وهذا مبني على الاختلاف في السفيه يفعل ما هو وجه نظر فلا ينظر فيه الوصي حتى يكون رده هو وجه النظر هل له أن يرده أم لا؟ وقد مضى الاختلاف في هذا في رسم الصبرة من سماع يحيى من كتاب التخيير والتمليك وفي نوازل أصبغ من كتاب المديان والتفليس. ولو استأجرته على الخصام عنها في ذلك الحظ من المنزل أمدا معلوما بأجر معلوم لكان لوليها أن يرد ذلك من فعلها قبل أن يقضى له به وبعد أن يقضى له؛ لأن من حجته أن يقول قبل القضاء أنا لا أجيز لها الاستئجار على ذلك لأن المجاعلة خير لها، وهذا على القول بإجازة المجاعلة على الخصام؛ وأما على القول بأن المجاعلة على الخصام لا تجوز فليس له أن يرد استئجارها قبل أن يقضى له، وإنما له ذلك بعد أن يقضى له على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك.
وقول: إنه لا أجرة له عليها فيما استخرج من حق غيرها صحيح، إذ لم تستأجره على أن يخاصم عنها وعنهم بإجارة معلومة ولا هي مالكة أمر نفسها، وإنما وكلته على المخاصمة عنها وعنهم وهي مالكة أمر نفسها فخاصم رجاء ثوابها على ذلك، وذلك بين من قوله فإنما خاصمت بأمرك ولما رجوت من فضلك. ولو استأجرته على الخصام عنها وعنهم وهي مالكة أمر نفسها استئجارا صحيحا بأجرة معلومة أو جاعلته على ذلك مجاعلة صحيحة لكان من حقه أن يأخذها بجميع أجرته أو جعله، لمجاعلتها إياه على ذلك واستئجارها إياه عليهم، ثم ترجع هي عليهم على الاختلاف الذي نذكره في ذلك آنفا.
وقوله: وإنما يقضى عليها بقدر ما يصير على حظها من أجرته إذا قسم ذلك على جميع الورثة بقدر ما لكل وارث من الميراث. وقوله أيضا ولو كانوا وكلوه معها لكانت الأجرة له عليها وعليهم على قدر مواريثهم من القرية خلاف المعروف من قوله في المدونة وغيرها في أن أجرة المقسم على عدد الرؤوس لا على قدر الأنصباء؛ لأن العمل والمئونة في القسمة والخصام سواء في قلة النصيب وكثرته، فلا فرق بين المسألتين. والذي هاهنا في أن أجرة الخصام على قدر الأنصباء هو مثل قول أصبغ في نوازله من كتاب السداد والأنهار في أن أجرة الخصام على قدر الأنصباء لا على عدد الرؤوس، وهو القياس، وإياه اختار محمد بن عبد الحكم، إذ قد يصير على الحظ اليسير من الأجرة إذا كانت على عدد الرؤوس أكثر من قيمته فيذهب حقه في القسمة وهو بعيد أن يلزم أحد مثل هذا أو يحكم عليه به.
وأما قوله: ولا شيء له عليهم أيضا لأنهم لم يستأجروه، فقيل معناه إذا كان ممن يخاصم بنفسه أو له من يخاصم عنه من عبيده حتى لا يحتاج إلى الاستئجار على ذلك على ما قال في سماع أبي زيد من كتاب الجعل والإجارة فيمن أخطأ فحصد زرعا لغيره إن له عليه قيمة عمله إذا لم يكن له عبيد وأجراء يحصدونه له ولم يكن له بد من الاستئجار عليه. وقد قال في سماع أبي زيد المذكور أيضا في الرجل يستأجر الأجراء يحرثون له أرضا فيحرثون أرضا لغيره إلى جنبها إن على صاحب الأرض الذي حرث أجرة حرثها إن زرعها وانتفع بذلك الحرث، فقيل أيضا معناه إذا لم يكن له عبيد يحرثونها له ولم يكن له بد من الاستئجار على حرثها. فعلى هذا تتفق الروايات كلها ولا يخالف بعضها بعضا. ومن الناس من حملها على ظاهرها ولم يفسر بعضها ببعض فقال إن في المسألة ثلاثة أقوال: إيجاب الأجرة على كل حال على ظاهر مسألة الحرث المذكورة، وسقوطها على كل حال على ظاهر مسألة الخصام هذه؛ والفرق بين أن يكون له عبيد فلا يحتاج إلى الاستئجار على ذلك أو لا يكون له عبيد فيحتاج إلى الاستئجار على ظاهر مسألة الحصاد من سماع أبي زيد المذكور.

.مسألة أبضع مع رجل بمال يشتري له به رأسا فابتاع له بماله:

قال: وسألت ابن القاسم عن رجل أبضع مع رجل بمال يشتري له به رأسا فابتاع له بماله ذلك ثم باعه لصاحبه نقدا أو إلى أجل وفات العبد. قال: إذا تعدى فقد ضمن. فإذا باع بغير أمره وفات العبد فقد لزمته القيمة، فإن كان باع بالنقد فالمبضع بالخيار إن شاء أغرمه القيمة وبرئ من الثمن، وإن شاء قبض الثمن معجلا. فإن أحب المبضع إن كان باع المبضع معه بالدين أن يأخذ الثمن إلى أجل لم يصلح له ذلك إذا كان الذي باع به أكثر من القيمة؛ لأن الدين بالدين يدخله. ألا ترى أن القيمة قد وجبت له فهو يتحول عنها إلى شيء لا يتعجل قبضه لزيادة يزدادها. قال: وإن كان الذي باع به والقيمة سواء فلا بأس أن يتحول على المشتري؛ لأن ذلك مرفق أدخله على المتعدي ولم يزدد به شيئا، وليس ذلك ذمة بذمة، وإن كان الثمن أكثر من القيمة فإنه يباع الذي بيعت به السلعة إن كان باعها بغير الطعام فإنه يباع بالنقد، فإن كان في ذلك قدر قيمة السلعة فأكثر فهو للمبضع لأنه ثمن سلعته، وإن بيع نقدا بأقل من القيمة التي لزمت المتعدي غرم تمام القيمة لتعديه. قال: وإن كان باعها بطعام غرم القيمة معجلة وانتظر بالطعام استيفاؤه، فإذا قبض بيع فإن أخرج أكثر من القيمة التي غرم المتعدي فالزيادة لرب السلعة، وإن لم يخرج إلا القيمة فأدنى فهو للمتعدي لأنه قد غرم القيمة.
قلت: أرأيت إن كان باعها بأكثر من القيمة فرضي المتعدي أن تجعل لرب السلعة التي لزمه غرمها ويقبض ذلك لنفسه من مشتري السلعة إلى أجل ويكون ما زاد الثمن على القيمة لرب السلعة عند الأجل للذي يخاف من انكسار الثمن إن بيع بالنقد لأنه يضمن ما نقص من القيمة، أيجبر رب السلعة على ما دعا إليه المتعدي من هذا الوجه؟ فقال: إذا أعطى القيمة التي كانت تباع به لم يجب صاحب السلعة إلى بيع الدين لأنه لا منفعة له حينئذ في بيعها، وذلك أنه يريد الضرر، وفي تأخيرها منفعة له وللمتعدي.
قال محمد بن رشد: قوله في المبضع معه إذا تعدى فباع السلعة التي اشترى للمبضع ببضاعة وفاتت إن القيمة قد وجبت عليه للمبضع، فإن كان باع بالنقد فالمبضع بالخيار إن شاء أغرمه القيمة وبرئ من الثمن وإن شاء قبض الثمن معجلا إنما شرط أن يكون قبض الثمن معجلا إذا كان أكثر من القيمة لأنه يكون قد تحول إلى أكثر مما وجب له دون انتجاز، فدخله فسخ دراهم أو دنانير في أكثر منها. ولو كان الثمن مثل القيمة التي وجبت له على المتعدي أو أقل لكان بالخيار في أن يختار أخذ الثمن وإن لم ينجز قبضه، بل لو كان الثمن إلى أجل وهو مثل القيمة فأدنى لكان له أن يختاره ولم يدخله شيء لأنه لم يتحول من قليل إلى كثير، وإنما تحول في مثل ما وجب له أو في أقل منه على أن يترك الزائد للمتعدي أو يتبعه به، ذلك كله جائز؛ لأنه إن تركه له فقد رضي بأخذ ثمن سلعته وأسقط عنه ما وجب له عليه من القيمة بحكم الفداء، وإن اتبعه به فقد اختال من دينه ببعضه، وذلك جائز لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ومن أتبع على مليء فليتبع» وكذلك لو كان الثمن إلى أجل وهو أقل من القيمة لجاز أن يتحول إليه على أن يتبعه بما نقص من القيمة، فيأخذ ذلك منه معجلا أو مؤخرا أو على أن يترك ذلك كله له. وأما إن كان الثمن مؤجلا وهو أكثر من القيمة التي وجبت له على المتعدي فلا يجوز له أن يختاره؛ لأنه يدخله فسخ دنانير في أكثر منها إلى أجل. وكذلك لو كان الثمن عرضا مؤجلا لما جاز أن يتحول إليه بالقيمة التي وجبت له؛ لأنه يدخله فسخ الدين في الدين. وقد يباع العرض المؤجل بأكثر من القيمة التي وجبت له فيكون قد باع القيمة التي وجبت له بأكثر منها إلى أجل، وذلك مما لا خفاء في تحريمه.
وأما قوله إذا كان الثمن إلى أجل فرضي المتعدي أن يعجل القيمة التي لزمته ويترك الثمن ولا يباع حتى يحل ويقبض فيأخذ منه المتعدي القيمة التي عجل ويكون الفضل لصاحب السلعة إن ذلك من حق المتعدي الذي يخاف من انكسار الثمن إن بيع بالنقد لأنه يضمن النقص. ولا يجاب رب السلعة إلى بيع الدين لأن في تأخيره منفعة له وللمتعدي، فإنه خلاف ما مضى في رسم حبل حبلة من سماع عيسى. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وأنها مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال: قول ابن القاسم في هذه الرواية أحدها، فلا معنى لإعادتها، والله تعالى هو الموفق بفضله.